القول الحثیث في مكانة الإمام أبي حنیفة في الحدیث
الملخص
Abstractالحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الاولين والآخرين وخاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ، وعلى الائمة المجتهدين في الدين ، والعلماء العاملين ومن تبعهم باحسان حتى يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين .
وبعد ...
فقد كرم الله تعالى بني آدم من بين خلقه ، وجعلهم خلفاءه في الارض ، وارسل اليهم الرسل مبشرين ومنذرين ليخرجوهم من الظلمات الى النور ، وانزل عليهم كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يهديهم الى الحق والى طريق مستقيم ، وجعل لهم سنة رسوله بيانا لكتابه ما ان تمسك بهما المسلمون فلن يضلوا ابدا .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرع الاحكام بناءً على ما يستجد من الحوادث وما ينزل من النوازل ويقضي بين المتخاصمين بكتاب الله اولا ، فان لم يجد فبما اراه الله ، لقوله تعالى :( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ) . فكان هذا منهجا رسمه عليه افضل الصلاة والسلام لكل من يتولى امور الناس ويرعى مصالحهم من بعده ولا سيما العلماء لانهم ورثته في العلم والتوجيه والاصلاح ، يقول عليه افضل الصلاة والسلام : ( ... ان العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما . إنما ورثوا العلم . فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) .
فان لم يجدوا في كتاب الله ولا في سنة رسوله فانهم يفتون بما يؤديه اليه اجتهادهم دون ان يخالفوا ما جاء فيهما . وقد اقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته هذا النوع من الاستنباط عندما بعث معاذ بن جبل رضي االله عنه الى اليمن واليا ، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال :( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ " قال أقضي بكتاب الله قال " فإن لم تجد في كتاب الله ؟ " قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله ؟ " قال أجتهد رأيي ولا آلو ( أي لا أقصر في الإجتهاد ) فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول الله لمايرضي رسول الله ) ، وهو المنهج نفسه الذي سار عليه الخلفاء الراشدون ؛ فعن ميمون بن مهران قال :( كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به وان لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى به فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاءا فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا فإن أعياه ان يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به ) .
وهو ايضا وصية سيدنا عمر رضي الله عنه لعماله على الامصار ؛ فعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه :( إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتك عنه الرجال فان جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به فان جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم وإن شئت أن تتأخر فتأخر ولا ارى التاخر الا خيرا ) .