حمّاد الراوية والمهنيّة المتّهمة
الملخص
Abstractلقد أستقر لدى دارسي الشعر العربي قبل الاسلام أن ّ المراحل التي قطعها هذا الشعر في رحلته الطويلة وصولا ً الى صورته الناضجة المكتملة يشوبها الغموض ويلفها التساؤل ، إذ لم يصل ألينا من شعر تلك المراحل ما يكشف لنا تلك الأولية الغامضة وكل ما بأيدينا هو مثال لنتاج شعري ناضج لا يبتعد في توغله الى أبعد من مئتي سنة قبل الاسلام – حسب رأي الجاحظ – ولولا فضل الرواية والرواة لما كان لنا أن نتعرف على هذا التراث الادبي وبغض النظر عمّا أصابه عبر رحلة الرواية وتدخلات الرواة ، فالمهم تأريخياًً أنّ هذا الشعر قد وصل ، ولكنّ علماء العربية الذين عاهدوا أنفسهم على خدمة هذه اللغة وأدبها كان يحزّ في أنفسهم أن يجدوا طائفة من هؤلاء الرواة الذين أخذ عنهم الناس الشعر وقد أتسم بعضهم بالفساد وعدم الثقة وتقصد الوضع ، فما كان من هؤلاء العلماء والنقاد إلا أن يبصروا الناس بمثل هؤلاء وأن يعملوا جاهدين في توثيق كلّ الأشعار التي تروى عنهم ، لا سيماً وأنّ هؤلاء الرواة من الكثرة فهم لا يحصيهم العدّ وقد حملوا الشعر الجاهلي إلى عصر التدوين وكانوا في الغالب من رواة البصرة والكوفة الذين لا نستطيع أن نلصق التهمة بهم جميعا ً ولا بطرف منهم دون طرف ، فبين الطرفين جميعا ً متهمون وموثّقون ، ولكن ما يمكن أن يسّجل في هذا المقام أنّ رواة البصرة كانوا متقدمين على رواة الكوفة إذ أنّ رأس رواة البصرة أبو عمرو بن العلاء كان أمينا ً موثوقا ً ، بينما كان رأس رواة الكوفة حماد بن ميسرة ( المعروف بحماد الراوية ) كان متّهما ً بالوضع والنحل غير ثقة ٍ يشوب ما يرويه الشكّ والحذر ، ولمّا كانت طائفة من العلماء المشهورين قد وجدناهم يشيدون من طرف آخر بعلمية هذا الرجل وذكائه وقوّة حفظه اندفعنا بهذا البحث قاصدين كشف الحقيقة وإماطة اللثام عن تلك العلميّة التي يتّهمها البعض بالفساد ، بسبب ما يروى عن حمّاد من روايات تثبت براعته’ في النحل وجرأته في ذلك ، وقد سعينا لهذا الهدف من خلال جعل البحث في مبحثين ، يتوجّه الأول الى حياته والثاني الى علميته ِ المتّهمة .